عنوان البحث : تجربة ديوان الزكاة فى تخفيف حدة الفقر
أضيف بتاريخ : 02/01/2006
مقدمة البحث :
 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه واشهد أن لا اله الا الله وحده لا
شريك له وان محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وعلى من
سار على نهجه وهداه الى يوم القيامة ..
فقد اقتضت حكمة الله تعالى في عباده أن يوزع بينهم الرزق ويفضل بعضهم على بعض في
العطاء وهذا التفضيل تبعته مسؤولية في ما فضلوا فيه من مال أولها أن هذا المال هو مال
الله وهم وكلاء فيه ليبتليهم الله أيهم أحسن عملاً فيه ، وحتى لا يضل الإنسان أو أن
يطغي بما فضل فيه من مال فقد أبان لهم كيفية التعامل الحلال مع المال والتجارة
وغيرها من وسائل طلب الرزق الحلال ، وبعد تبيان طرق الكسب الحلال أبان لهم طرق
ووسائل الإنفاق من هذا المال منبهاً أن المال له دورته وهو ليس حكراً بين الأغنياء
بل للفقراء حق فيه فالزكاة والصدقة والإنفاق على ذوي الأرحام والعطف على الأيتام
والمحرومين حقوق لهؤلاء عند صاحب المال . (وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
ثم عندما نختم حياة صاحبه يوزع مرة أخرى بين الورثة فيدور مرة ثانية في وسائل
الكسب ووسائل الإنفاق تطبيقاً لقوله تعالى (حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )
ولأن المال قد يغري النفس ويجعلها تجحد فتصاب بالبخل والشح نبه القرآن الكريم أن
هناك طريقين لأصحاب الأموال طريق الفلاح والخير وهو لمن استجاب لله سبحانه وتعالى
وانفق بما استخلف فيه وطريق الخسران وهو لمن امسك ولم ينفق فقال تعالى (قد افلح من
زكاها وقد خاب من دساها) وهذا الرسول يقول إن هناك ملكاً يدعو يقول (اللهم أعط
منفقاً خلفا وأعط ممسكاً تلفاً ) ويربط القرآن البر بالإيمان والإنفاق وليس فقط
بالصلاة فقال تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من
آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوى القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل) .
..إن المال الصالح للعبد الصالح جزء أساس من قيام الحياة المستقرة في المجتمع المتراحم
المتكافل والمال إذا تكاثر وتنامى أصبح ثروة والثروة ضرورية لابد منها لمكافحة الفقر
والجهل والمرض وكل ما من نشأته أن يعطل نمو المجتمع المسلم وقوته ) .
فالمال نعمة من الله لعباده أغنياء وفقراء على حد السواء لأنه يؤخذ من الأغنياء ويرد
على الفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثة لأهل اليمن حيث ورد
فى الحديث (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على
فقرائهم) . فالنعمة هذه بالنسبة للغنى طهرةً ونماء ً لماله وإخراجاً له من دائرة
الشح وبالبخل وجعله عابداً لله ممتثلاً لأوامره فى المال فيزيده الله بركةً ونماءً
وحفظاً فتزيد ثقته فى الله والاعتماد عليه لأنه هو المعطى وهو الآخذ كما إنها من
تمام الإسلام لقوله صل الله عليه وسلم (ان من تمام إسلامكم أن تؤدوا زكاة أموالكم)
كذلك إخراج الزكاة نوع من الشكر لله فشكر النعمة من أهم أسباب الزكاة لقوله تعالى
{ولئن شكرتم لازيدنكم} ويقول الرازي إن العلماء قالوا شكر النعمة عبارة عن صرفها
فى طلب مرضاة المنعم فالزكاة نعمة المال وعنوان الشكر لله لذلك تعطى لأصحابها
الذين أبانهم الله فى آياته {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ...
} كما انها نعمة للفقراء والمساكين بإعانتهم على الحياة الكريمة وتقوية لهم لأداء
عبادتهم وسداً لحاجاتهم تتقوى علاقاتهم الاجتماعية مع الأغنياء وتبعد عنهم الحسد
والبغضاء والوقوع فى المعاصي بالسرقة أو لإتلاف لمال الغنى بل تجعلهم يحرسون مال
الغنى ويدافعون عنه لأن فيه حق لهم وبذلك تنشر الرحمة والتراحم والتكامل بين
الأغنياء والفقراء وتصبح الإخوة الإسلامية حقيقة واقعية فالزكاة بهذا المفهوم تعتبر
الضمان الاجتماعي الاسلامى الذي يقدمه الإسلام للناس جميعاً فهي ليست كالضمان الاجتماعي
الغربي الذي يعتبر منحه للعاطل عن العمل . بل الله سبحانه وتعالي جعلها حقاً شرعياً
وجعلها قرآناً يتلى (إذا كان الإسلام عنى بالمجتمع عموماً فانه عنى عناية خاصة بالفئات
الضعيفة فيه وهذا سر ما نلاحظه فى القرآن الكريم من تكرار الدعوة الى الإحسان باليتامى
والمساكين وابن السبيل وفى الرقاب يستوي فى ذلك مكي القرآن ومدنيه) .
من هنا ندرك أن الإسلام قد عنى بمشكلة الفقر وأعطاها اهتماماً كبيراً ليضمن مطالب
الحياة الأساسية للفرد وجعل حقهم فى المال عبادة يتعبد بها المؤمن الغنى لتكون له
طهراً وبركة وزيادة وذلك إدراكا للفقر كمشكلة اجتماعية خطيرة تفتن المرء فى دينه
وكرامته وأخلاقه وهى اخطر علي امن المجتمع وسلامته واستقرارة ولا يستطيع المجتمع
الذي يعاني من ويلات الفقر أن يحقق مقاصد الشريعة في حفظ الدين والنفس والنسل
والمال والعقل فكل هذه المقاصد تتطلب توفير حاجيات الإنسان الأساسية من الأكل
والملبس والمأوي والإحصان حتي يطمئن الناس فلا يفتنون ولا يعتدون " 0
وبما أن الفقر ابتلاء وامتحان فقد استعاذ منه الرسول صلوات الله وسلامه عليه (
اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذله وأعوذ بك بأن اظلم أو اظلم " بل ربط
الرسول صلوات الله وسلامه عليه الفقر بالكفر حيث قال " اللهم إني أعوذ بك من الكفر
والفقر "
ولذلك يعلن الإسلام حرباً علي الفقر بتأسيس برامج متعددة لمكافحة الفقر منها أن جعل
الزكاة ركناً من أركان الدين أوجبها علي كل من ملك النصاب وجعلها عبادة وطهراً وزيادة
وحدد أصحابها في كتابه ولم يتركها حتي لنبيه " إنما الصدقات للفقراء والمساكين
..." وجعل كذلك في المال حق من غير الزكاة لقوله صلي الله عليه وسلم " إن فى المال
حق سوي الزكاة " رواه الترمزي وقوله صلي الله عليه وسلم عندما استشهد جعفر ابن أبي
طالب وترك اطفالاً صغاراً " انا وليهم في الدنيا والآخرة ، الامام وصي علي من لا
عائل له " رواه البخاري0
لا تجد ضماناً اجتماعياً عادلاً ومستمراً مثل الضمان الإسلامي ففي الضمانات البشرية
منحة يمكن أن تعطي لك أو تحرم منها لأي سبب ولكنها في التشريع الإسلامي حق وليس منّة
يأخذها صاحبها بحقها دون منة أو ذلة ففي حديث معاذ ابن جبل الذي أرسله الرسول صلوات
الله وسلامه إلي أهل اليمن جاء الحديث فيها واضحاً " أعلم أن الله قد فرض عليهم صدقة
تؤخذ من أغنيائهم وترد الي فقرائهم وإياك وكرائم انعامهم " ففي الحديث حق الغني والفقير
فالزكاة أساس التكافل والتراحم بين فئات المجتمع تؤدي إلي المحبة وتماسك المجتمع
الإسلامي وتعاضضه مع بعضه فليس بطبقات الاستعباد وليس بثروات الرأسمالية يهضم فيها
حق الضعيف ليزيد الأغنياء غناً ولكنه مجتمع متماسك متراحم قال تعالي " ياايها الذين
امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم
الأخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً "0 سورة البقرة الآية
264 0
وتحقيقاً لهذه المبادى الإسلامية في نظام الاقتصاد الإسلامي ونظمه التطبيقية تحقق الزكاة
مبادي نذكر منها :
أ.ضمان حد الكفاية لكل فرد من أفراد المجتمع وهو يعبر عن القدر المعيشي الذي يليق
بكرامة الإنسان وتكريم الخالق له .
(ولقد كرمنا بنى ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على
كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الاسراء الاية "70" .
وقد قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع في تحديد الكفاية قال أصحابنا يعنى
الشافعية والمعتبر في قولنا يقع موقعاً من الكفاية المطعم والملبس والمسكن وسائر ما
لا بد منه على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا اقنار لنفس الشخص ولمن تلزمه مونته
.
من هنا يتضح لنا ان ليس المقصود إعطاء الفقير دريهمات لا تؤثر على حياته بشكل كلي
فلا يمنع من الفقر والمسكنة وجود سكن لائق به او وجود ثياب كذلك وان كانت للتجمل
وكذلك لا يمنع من وصف المرأة بالفقر والمسكنة وجود حلى لها تحتاج للتزين به عادة
وكذلك وجود كتب العلم التى يحتاج إليها للمذاكرة أو المراجعة .
ب. ثانيها تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة التوزيع للثروة تحقيقاً لقوله تعالى (لكي
لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) .
ومن هنا جاء أمر الله بتحديد أصحاب الزكاة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن
الله لم يرض في قسمة الصدقات بحكم نبي ولا غيره حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء )
إشارة لقوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم
حكيم) .
هذه القواعد هى الأساس في الضمان الاجتماعي الإسلامي والزكاة هى مؤسسة الضمان
الاجتماعي في رعاية شئون هذه الاصناف الثمانية .